القاهرة – 24 فبراير 2022: استيقظ الاقتصاد العالمي على ضربة جديدة بعد أن كان يتنفس الصعداء من تداعيات جائحة فيروس كورونا، وهو الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مع ما يصاحب ذلك من احتمالات فرض عقوبات قاسية على روسيا. أدى ذلك على الفور إلى ارتفاع أسعار النفط والذهب والقمح، وتراجع المخزونات، وتعثر التجارة العالمية.
قال خبراء اقتصاديون إن الصراع بين روسيا وأوكرانيا سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل التأثير السلبي لوباء كورونا، فضلا عن موجة التضخم العالمية التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى، مضيفين أن هذا التأثير السلبي سيزداد إذا زاد التوتر بين روسيا وأوكرانيا.
قال الخبير الاقتصادي ونائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية في نظام العمل العربي التابع لجامعة الدول العربية للتنمية الاقتصادية، أشرف غراب، إن الأزمة بين أوكرانيا وروسيا ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الحبوب عالميا، خاصة الحنطة مما سيرفع سعره في باقي الدول المستوردة. “بالطبع، سيؤثر سلبًا على أسعار السلع الغذائية عالميًا.”
وأضاف أن أوكرانيا مصدر رئيسي للقمح والذرة والشعير في العالم، ونقص واردات الذرة الصفراء سيرفع أسعار الأعلاف في دول العالم وبالتالي رفع أسعار اللحوم، موضحا أن ارتفاع أسعار القمح عالميا بسبب للأزمة ستؤثر وتضغط على الميزانية المصرية وتزيد من الأعباء بتحمل تكاليف الزيادة السعرية.
وأشار غراب إلى أن أسعار النفط سترتفع أعلى بكثير من 100 دولار للبرميل بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، موضحا أن الزيادة في سعره لن تفيد إلا الدول المنتجة، لكنها ستؤثر سلبا على بقية العالم، مما يزيد التضخم العالمي. بالإضافة إلى بطء حركة الاستثمارات والتجارة العالمية بشكل عام.
أكد الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، أن روسيا وأوكرانيا موردان رئيسيان للقمح والذرة والغاز والمعادن وغيرها من السلع للعالم، وبالتالي ستضر بالعديد من الدول في أوروبا وآسيا والدول العربية. منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا التي تعتمد على القمح والذرة المستورد من أوكرانيا والغاز الروسي، وانقطاع إمدادات الغاز الطبيعي للمصانع والإنتاج، خاصة المنتجات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الأسمدة، مما سيؤثر سلباً على الزراعة، وبالتالي سترتفع الأسعار بسبب إلى ارتفاع تكاليف الطاقة، وسيحدث تراجع في الاقتصاد الدولي.
وأضاف الديب أن أسعار الذهب ارتفعت إلى أعلى مستوياتها في عام، فيما تجاوزت أسعار النفط 100 دولار بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. تجاوز سعر برميل النفط عتبة 100 دولار، واستقر عند 103 دولارات للمرة الأولى منذ أكثر من 7 سنوات. من المتوقع أن تشهد أسعار الطاقة بشكل عام، والنفط والغاز بشكل خاص، ارتفاعًا متسارعًا مع تصاعد الحرب، فضلاً عن ارتفاع أسعار القمح والشعير، ولن تكون الآثار والتداعيات على الطاقة فقط. ، ولكن تشمل الذهب والمعادن الأخرى، والتأثير السلبي على الأسواق المالية.
التأثيرات العالمية
في الوقت الذي ستتأثر فيه جميع دول العالم بالحرب، سيكون الاتحاد الأوروبي – بحسب أبو بكر الديب – الأكثر تضررا، وخاصة ألمانيا، والثالثة من حيث التأثر بعد أوكرانيا وروسيا، التي تستورد معظم احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا، وبالتالي فإن توقف ذلك الغاز سيوقف المصانع والإنتاج. علاوة على ذلك، تعد الصين واحدة من أكبر المستفيدين من أزمة الذرة الأوكرانية.
وقال الديب إنه مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا أصيب الاقتصاد العالمي بالصدمة، وارتفعت أسعار السلع بشكل حاد في الأسواق العالمية، وكان هناك نقص في الحبوب في الدول العربية وشمال إفريقيا، وارتفعت أسعارها، وبالتالي، فإن دولة مثل لبنان تستورد 50٪ من احتياجاتها من القمح من أوكرانيا.
مخاطر وفرص الاقتصاد المصري
وأضاف أن مصر ستتأثر بالطبع بهذه التداعيات وسيكون التأثير الأكبر على السلع الغذائية وخاصة القمح لأن معظم واردات القمح تأتي من روسيا وأوكرانيا، مشيداً بخطوة الحكومة المصرية السريعة هذه الأيام لبحث استيراد قمح ابتداءً من 14. وأضاف غراب أن دولاً أخرى تنوع وارداتها من القمح تحسباً لتصاعد الأزمة بين البلدين.
وأشار إلى وجود مخزون استراتيجي من القمح يكفي لمدة 5 أشهر، والإنتاج المحلي الذي سيبدأ من منتصف أبريل المقبل لزيادة المخزون الاستراتيجي إلى 9 أشهر.
من جانبه أوضح الديب أنه في هذا السياق تحركت الحكومة المصرية بسرعة لمناقشة استيراد القمح من 14 دولة أخرى لتنويع واردات القمح في حال تصاعد الأزمة، بالإضافة إلى وجود مخزون استراتيجي من القمح يكفي لمدة 5 أشهر. ورفع المخزون الاستراتيجي من الانتاج المحلي ابتداء من منتصف نيسان الى 9 اشهر.
أما بالنسبة للسياحة، فإن “هذه الحرب ستؤثر على تدفقات السياحة الروسية والأوكرانية لأنها ستتسبب في توقف الوفود السياحية الروسية والأوكرانية التي تأتي إلى مصر بأعداد كبيرة تمثل نسبة كبيرة من الوفود الأجنبية المصرية”. .
وأشار غراب إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة عالميا يفتح المجال أمام مصر لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي في الخارج، بالإضافة إلى جذب المزيد من الاستثمارات في قطاع النفط والغاز لزيادة الاكتشافات والإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، سيؤدي الطلب المتزايد على النفط إلى زيادة حركة السفن العابرة لقناة السويس.
في حال توقف الغاز الروسي عن إمداد أوروبا بسبب الأزمة الأوكرانية، يعتقد الديب أن على أوروبا البحث عن بديل. وأهم هذه البدائل الغاز المصري والليبي والجزائري والفكري وربما الأمريكي. إن سعي مصر للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة سيساعد، وبالتالي يمكن للغاز المصري أن يلعب دورًا مهمًا في تأمين جزء من احتياجات الطاقة للدول الأوروبية، من خلال تصدير الغاز الفائض عبر محطتي تسييل الغاز في مصر على ساحل البحر المتوسط ، من أجل استكمال دور مصر المحوري في المنطقة لتعزيز التعاون الإقليمي ومواصلة تعزيز الشراكات الاستراتيجية.
وبحسب تصريحات وزارة البترول، فإن السنوات الثلاث الماضية شهدت تطوراً كبيراً في إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط ، بدءاً من اقتراح مصر للفكرة وانتهاءً بتأسيسه كمنظمة دولية في منطقة شرق المتوسط ، مقرها في القاهرة.
وأشاد بمكانة مصر في قطاع الصناعات البترولية، حيث بلغت صادرات قطاع البترول 13 مليار دولار خلال عام 2021، مضيفاً أن مصر شهدت نهضة تنموية كبيرة من خلال تنفيذ مشروعات عملاقة، ومن هذا المنطلق استضافت مصر هذا المعرض وهو المعرض. أكبر وأهم تجمع دولي وإقليمي لصناعة النفط والغاز في منطقتي شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.
تمثل أزمة نقص الطاقة في أوروبا فرصة لوضع مصر على خريطة الطاقة الأوروبية وتأمين جزء من إمدادات الغاز الروسي. تمتلك مصر الإمكانات اللازمة لتصبح أحد بدائل الطاقة في أوروبا بسبب الأزمة الأوكرانية في ظل الدور المهم والحيوي الذي تلعبه في منتدى غاز شرق المتوسط.
وأضاف أن ليبيا لديها فرصة قوية لتعويض جزء من إمدادات الغاز الروسي إلى القارة الأوروبية في حال نشوب حرب في أوكرانيا ووقوع صراع سياسي أو اقتصادي أو حتى عسكري بين روسيا والغرب، لكن هذا يتطلب الاستقرار السياسي والبعد عن الصراعات في ليبيا، حيث تتميز ليبيا باحتياطيات كبيرة تصل إلى 54.6 تريليون قدم مكعب، وتحتل المرتبة 21 عالمياً ، وفي حال الاستقرار السياسي يمكن رفع هذه الاحتياطيات باكتشافات جديدة.