قد يبدو عقدان من الزمن فترة قصيرة في تاريخ بلادنا الطويل والغني، لكن الأمر ليس كذلك في تاريخ الصحافة المصرية.
لم تبدأ الصحافة المصرية فعليًا إلا في عام 1827 عندما أصدر محمد علي “يوميات الخديوي” التي تحولت في العام التالي إلى “الشئون المصرية”.
ومن “الشؤون المصرية”، على مر السنين، ظهرت كل الصحف المستقلة التي عرفناها منذ ذلك الحين.
وبينما تجاوز عمر بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى مثل «الأهرام» و«دار الهلال» قرناً من الزمان، شهدت الساحة الصحفية المصرية عدداً كبيراً من الصحف الأخرى تكافح لتجد مكانها بين الأشجار العملاقة التي حجبت ضوء الشمس. من العشب الوليد.
وواجهوا صعوبات مالية وسياسية أدت إلى إغلاقهم بعد وقت طويل أو قصير.
قبل عقدين من الزمن، في عصر لم تكن فيه حرية الصحافة فضيلة مشهورة، ولم تكن مشاريع القطاع الخاص، سواء في الصحافة أو غيرها من المجالات، في ذروتها، ولدت المصري اليوم. بدأت رحلتها في مياه عاصفة، وغالبًا ما كانت مهددة بصخور القيود السياسية والرقابة.
«المصري اليوم» كان يقودها الحلم، وكما تعلمون فإن للأحلام قوة هائلة.
إنهم يحشدون الناس ويبنون الإمبراطوريات ويقيمون الحضارات. تأصل حلم المصري اليوم في تجربة رائدة في الصحافة المصرية: تجربة المناضل الوطني توفيق دياب (1886-1967)، مؤسس صحيفة الجهاد (1931-1938). ورغم قصر عمرها، كانت حركة الجهاد صوت النضال الشعبي ضد الاحتلال البريطاني.
واستمر حلم الجهاد على مر السنين، ليجد حياة جديدة في حفيد توفيق دياب، صلاح دياب.
ورغم نجاحه كرجل أعمال، لم يثن صلاح دياب عن تحقيق حلم جده بتأسيس صحيفة وطنية مستقلة تعبر عن صوت الشعب وتنصر قضاياه.
كان المناخ والظروف السياسية مختلفين إلى حد كبير بين أربعينيات القرن العشرين، عندما أسس توفيق دياب جريدته، وأوائل القرن الحادي والعشرين، عندما ولدت المصري اليوم على أيدي أربعة من رجال الأعمال المصريين البارزين – كمال دياب، ونجيب ساويرس، وأحمد. بهات، وأكرم قرطام.
وإدراكًا لقيمة الحلم وقوته، شرعوا في هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر إلى جانب صلاح دياب.
ومع تعاقب رؤساء التحرير لبعضهم البعض منذ تأسيس الجريدة عام 2004 في سرد تجاربهم، سيتم الكشف عن العديد من جوانب الحياة السياسية التي عشناها قبل ثورة 25 يناير.
إن ما يميز «المصري اليوم» عن غيرها من التجارب المماثلة والمعاصرة هو انسجامها منذ البداية مع الجيل الجديد الصاعد من الشباب. وكان انتشار وسائل الاتصال الحديثة قد فتحهم على العالم، ولم يكتفوا بحالة الركود التي سادت خلال الثلاثين عاماً التي سبقت الثورة.
بينما اعتمدت بعض الصحف حديثة النشأة في ذلك الوقت على «قدامى» الصحفيين من الجيل الأقدم، كما فعلت «الوفد» والأهرام، أو على «الجيل المتوسط» -مثل صوت الأمة والدستور-. تم بناء “المصري اليوم” على أكتاف شابة من جيل جديد ذو خلفيات وتوجهات متنوعة.
الشيء الوحيد الذي وحَّد أعضائها هو رفضهم القديم وتطلعهم إلى الجديد. وكان بعضهم يلتحق بمهنة الصحافة للمرة الأولى.
وهكذا ضخت تجربة «المصري اليوم» دماء عذبة ومتنوعة وجديدة في المشهد الصحفي، جاعلة من الصحيفة منذ نشأتها منبراً تحررياً حراً لكل الاتجاهات والآراء السائدة في المجتمع، والتي تطمح جميعها إلى الجديد. مجتمع حر تحت راية الديمقراطية.
وعندما اندلعت ثورة 25 يناير، أصبحت المصري اليوم صوتها.
ولا تزال تغطيتها الواسعة والفريدة من نوعها لتطورات الثورة، مثل تقرير “ورد اللي فتح في الجناين”، محفورة في الذاكرة.
وكان المتظاهرون في ميدان التحرير يرفعون صفحات المصري اليوم إلى جانب لافتاتهم الثورية.
كما وقفت «المصري اليوم» في مواجهة أولئك الذين اختطفوا الثورة واستولوا عليها لتطلعاتهم الخاصة. وأذكر أنني طوال فترة حكم تلك الجماعة كنت أخصص عمودا يوميا في «المصري اليوم» لمواجهة تلك السياسات.
وأصبحت تلك المقالات، التي نشرتها فيما بعد في كتاب، بمثابة سجل يومي لتلك السنة البائسة من تاريخنا الحديث.
وكما وقفت «المصري اليوم» مع ثورة 25 يناير، كان فريق تحريرها في طليعة القوى الشعبية التي نظمت ثورة 30 يونيو، واستعادتها ممن استولى عليها.
وبعد ذلك، انطلقت الصحيفة في معركة صياغة دستور جديد للبلاد، تلتها الانتخابات الرئاسية التي وضعت البلاد أخيراً على أعتاب الاستقرار بعد فوضى ما بعد الثورة.
والآن تكمل «المصري اليوم» عقدين من الزمن، وتنطلق في رحلة نحو آفاق المستقبل، تؤكد من جديد ما تم تحقيقه من إنجازات، دون أن تغفل عن المعاناة والتضحيات التي قدمها شعبنا العظيم وهو يخوض إحدى المراحل. أعنف المعارك تحيط بها المخاطر من كل جانب.
وهم في هذا المسعى يستمدون القوة من الحلم الوطني الكبير الذي حبانا به القدر: أن تصل مصر إلى المكانة التي يتطلبها تاريخها المجيد، وكما يمليه تراثها العريق.